غزة / معتز شاهين:
يبدو أن المخططات "الإسرائيلية" المدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية أصبحت تأخذ شكلًا أكثر رسمية وتنظيمًا، حيث يُعد إعلان إنشاء "إدارة الهجرة" بهدف تهجير سكان قطاع غزة من أراضيهم جزءًا من سياسة التهجير القسري التي تهدف إلى إفراغ الأراضي الفلسطينية من سكانها الأصليين.
وأكد محللون سياسيون أن إنشاء "إدارة الهجرة" هو جزء من مخطط "إسرائيلي" لتصفية القضية الفلسطينية، مما يعكس النوايا الحقيقية للاحتلال وأهدافه الخطيرة التي تهدف إلى تغيير الواقع الديموغرافي في الأراضي الفلسطينية.
وحذر هؤلاء المحللون في أحاديث منفصلة مع "الاستقلال" من أن خطط التهجير التي يروج لها اليمين الإسرائيلي وأمريكا ليست مجرد فانتازيا عابرة، بل هي مشاريع حقيقية على الأرض. مشددين على أن العرب أمام هذه الخطط ليس لديهم خيار سوى التعامل معها كخطر داهم يهدد الأمن القومي العربي.
وأعلن وزير المالية الإسرائيلي، "بتسلئيل سموتريتش"، عن بدء العمل على إنشاء "إدارة للهجرة" لتنفيذ خطة الرئيس الأمريكي الأسبق "دونالد ترامب"، التي تهدف إلى تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة وإعادة توطينهم في دول ثالثة، وذلك تحت مزاعم "تشجيع الهجرة الطوعية".
وجاءت تصريحات سموتريتش خلال اجتماع عقدته مجموعة الضغط البرلمانية اليمينية "أرض إسرائيل"، التي تضم أعضاء كنيست عن أحزاب الائتلاف والمعارضة وتعمل بالشراكة مع مجلس المستوطنات (يشاع). وشدد سموتريتش على ضرورة "اغتنام الفرصة" للمضي قدمًا في خطة التهجير.
وتطرق سموتريتش إلى حجم العمليات المطلوبة لتنفيذ هذه الخطة، وقال إن المشروع اللوجستي يتطلب ترحيل 5000 شخص يوميًا، سبعة أيام في الأسبوع، لمدة عام كامل، أو 10,000 شخص يوميًا لمدة ستة أشهر.
في السياق ذاته، أكد المقرر الأممي للحق في السكن اللائق، بالاكريشنان راجاغوبال، أن فكرة تهجير الفلسطينيين هي مجرد خيال، محذرًا من أن تنفيذ مثل هذه السياسات سيكون من أكبر الانتهاكات للقانون الدولي في القرن الحالي.
وأشار راجاغوبال في تصريحات متلفزة إلى أن هذه الأوهام قد تم رفضها من قبل جميع الدول التي تسعى إلى احترام القوانين والأنظمة الدولية، مؤكدًا أن أي محاولة لتهجير الفلسطينيين من أرضهم تشكل تهديدًا لأسس العدالة الدولية ومبادئ حقوق الإنسان.
مخطط لن يمر
من جهته، اعتبر الكاتب والمحلل السياسي حلمي الأسمر، أن خطط التهجير التي يروج لها اليمين الإسرائيلي وأمريكا ليست مجرد فانتازيا عابرة، بل هي مشاريع حقيقية على الأرض تهدف إلى تنفيذها في المستقبل القريب.
وحذر الأسمر خلال حديثه مع "الاستقلال" من أن العرب أمام هذه الخطط ليس لديهم خيار سوى التعامل معها كخطر داهم يهدد الأمن القومي العربي، مؤكدًا أن الوضع في المنطقة يشير إلى تصعيد محتمل، وأن الفلسطينيين في عام 2025 ليسوا كما كانوا في عام 1948. ولذلك، فإن خيارات الفلسطينيين في مواجهة هذا الخطر واضحة وهي المقاومة.
وأشار الأسمر إلى أن مخطط التهجير، سواء كان طوعيًا أو إجباريًا، لن يمر، موضحًا أن مصطلح "التهجير الطوعي" هو مجرد تلاعب بالألفاظ. فالتاريخ يثبت أن التهجير دائمًا ما يكون قسريًا.
وأكد أن هناك تغييرًا جذريًا قادمًا في مسار الصراع، مشيدًا بكشف اليمين في "إسرائيل" وأمريكا عن وجههم الحقيقي، لافتًا إلى أن هذه القوى تمثل الوحشية التي لا يمكن التعايش معها، سواء من قبل العرب أو من قبل الفلسطينيين.
وفي رده على سؤال حول إمكانية تطبيق سياسات مشابهة في مناطق أخرى من الأراضي الفلسطينية المحتلة مثل الضفة الغربية والقدس، شدد المحلل السياسي على أن القضية الفلسطينية واحدة، وأن التهديد يطال جميع المناطق الفلسطينية دون استثناء، من غزة إلى أم الفحم، مرورًا بالقدس ورام الله.
مخطط مشترك
بدوره، أكد الكاتب والمحلل السياسي فايز سويطي، أن إعلان وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش عن إنشاء "إدارة للهجرة" بهدف تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة هو جزء من مخطط مشترك بين رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، حيث تتلاقى مصالحهما لتنفيذ هذه الخطة.
وقال سويطي لـ"الاستقلال" إن هدف هذه الخطة هو تصفية القضية الفلسطينية عبر تهجير الفلسطينيين قسرًا من قطاع غزة، مشيرًا إلى أن خطورة هذه الخطة تكمن في أن "سموتريتش" يضغط على "نتنياهو" لتنفيذ هذه السياسة في إطار شروطه للبقاء في الحكومة، ما يعكس مدى تعقيد وخطورة هذه المفاوضات السياسية.
وتابع: "الخطورة تزداد لأن هذا الإعلان يأتي في إطار تحضير علني لتهجير الفلسطينيين، حيث يتم استغلال الظروف القاسية التي يعاني منها سكان غزة، نتيجة الحصار والجوع والأمراض، ما يهدد بتأجيج الوضع الإنساني في المنطقة".
وأوضح سويطي أن إنشاء "إدارة للهجرة الطوعية" للفلسطينيين من قطاع غزة يمثل غطاءً سياسيًا لتهجير قسري، يهدف إلى تقديم مغريات لحياة أفضل للفلسطينيين في محاولة لدفعهم للمغادرة، بينما تواكبها إجراءات قسرية مثل تدمير الأحياء المدنية.
ونبه إلى أن هذه الخطوة تشكل جزءًا من مساعي الاحتلال لتصفية الوجود الفلسطيني في غزة، ما يعكس نوايا "إسرائيل" الحقيقية في تغيير ديموغرافي للمنطقة.
ولم يستبعد سويطي أن تكون هذه الخطة مقدمة لتطبيق سياسات مشابهة في مناطق أخرى من الأراضي الفلسطينية المحتلة. فإذا تم تنفيذ هذا المشروع في غزة، فقد يمتد إلى الضفة الغربية، وخاصة في مناطق شمال الضفة، بعد التدمير والإبادة التي تعرضت لها بعض المناطق في السنوات الأخيرة.
وفيما يتعلق بالخيارات المتاحة للفلسطينيين في حال تنفيذ هذه الخطة، أكد المحلل السياسي أن الخيار الأنجع هو الصمود والتصدي لهذا المشروع الاستعماري، إلى جانب ضرورة توحيد الفصائل الفلسطينية وتشكيل قيادة موحدة تتبنى برنامجًا مقاومًا. داعيًا إلى ضرورة التعاون مع الدول العربية لتحقيق دعم قوي للمقاومة الفلسطينية، وتحفيز مصر على الحفاظ على حدودها وأمنها القومي في مواجهة المخاطر المتزايدة نتيجة هذه الخطة.
التعليقات : 0